فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: وهي الفستق.
وقيل: كانت المقل، وقيل: كانت القطن، وقيل: كانت الحبال والأعدال والأقتاب.
وحكى مكي أن مالكًا رحمه الله قال: المزجاة: الجائزة.
قال القاضي أبو محمد: ولا أعرف لهذا وجهًا، والمعنى يأباه. ويحتمل أن صحف على مالك وأن لفظه بالحاء غير منقوطة وبالراء. واستند مالك رحمه الله في أن الكيل على البائع إلى هذه الآية، وذلك ظاهر منها وليس بنص.
وقولهم: {وتصدق علينا} معناه بما بين الدراهم الجياد وهذه المزجاة، قاله السدي وغيره. وقيل: كانت الصدقة غير محرمة على أولئك الأنبياء وإنما حرمت على محمد، قاله سفيان بن عيينة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، يرده حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا الصدقة».
وقالت فرقة: كانت الصدقة عليهم محرمة ولكن قالوا هذا تجوزًا واستعطافًا منهم في المبايعة، كما تقول لمن تساومه في سلعة: هبني من ثمنها كذا وخذ كذا، فلم تقصد أن يهبك، وإنما حسنت له الانفعال حتى يرجع معك إلى سومك، وقال ابن جريج: إنما خصوا بقولهم: {وتصدق علينا} أمر أخيهم بنيامين، أي أوف لنا الكيل في المبايعة وتصدق علينا بصرف أخينا إلى أبيه.
وقولهم: {إن الله يجزي المتصدقين} قال النقاش: يقال: هو من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب، وذلك أنهم كانوا يعتقدونه ملكًا كافرًا على غير دينهم، ولو قالوا: إن الله يجزيك بصدقتك في الآخرة، كذبوا، فقالوا له لفظًا يوهمه أنهم أرادوه وهم يصح لهم إخراجه منه بالتأويل.
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}
روي أن يوسف عليه السلام لما قال إخوته: {مسنا وأهلنا الضر} [يوسف: 88] واستعطفوه- رق ورحمهم، قال ابن إسحاق: وارفض دمعه باكيًا فشرع في كشف أمره إليهم، فيروى أنه حسر قناعه وقال لهم: {هل علمتم} الآية.
وقوله: {فعلتم بيوسف وأخيه} يريد من التفريق بينهما في الصغر والتمرس بهما وإذاية بنيامين. بعد مغيب يوسف. فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه، ولم يشر إلى قصة بنيامين الآخرة لأنهم لم يفعلوا هم فيها شيئًا، ونسبهم إما إلى جهل المعصية، وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة، فلما خاطبهم هذه المخاطبة- ويشبه أن يكون قد اقترن بها من هيئته وبشره وتبسمه ما دلهم- تنبهوا ووقع لهم من الظن القوي أنه يوسف، فخاطبوه مستفهمين استفهام مقرر.
وقرأت فرقة: {أأنك يوسف} بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بإدخال ألف بين همزتين وتحقيقهما: {أإنك}، وقرأت فرقة بتسهيل الثانية: {إنك}، وقرأ ابن محيصن وقتادة وابن كثير: {إنك} على الخبر وتأكيده وقرأ أبي بن كعب: {أأنك أو أنت يوسف} قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا على حذف خبر: {إن} كأنه قال: أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف؟ وحكى أبو عمرو الداني: أن في قراءة أبي بن كعب: {أو أنت يوسف} وتأولت فرقة ممن قرأ: {إنك} إنها استفهام بإسقاط حرف الاستفهام، فأجابهم يوسف كاشفًا أمره قال: {أنا يوسف وهذا أخي} وقال مجاهد: أراد: {من يتق} في ترك المعصية ويصبر في السجن. وقال إبراهيم النخعي: المعنى: {من يتق} الزنى ويصبر على العزوبة.
قال القاضي أبو محمد: ومقصد اللفظ إنما هو العموم في العظائم، وإنما قال هذان ما خصصا، لأنها كانت من نوازله، ولو فرضنا نزول غيرها به لاتقى وصبر.
وقرأ الجمهور: {من يتق ويصبر} وقرأ ابن كثير وحده: {ومن يتق ويصبر} بإثبات الياء، واختلف في وجه ذلك، فقيل: قدر الياء متحركة وجعل الجزم في حذف الحركة، وهذا كما قال الشاعر: الوافر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ** بما لاقت لبون بني زياد

قال أبو علي: وهذا مما لا نحمله عليه، لأنه يجيء في الشعر لا في الكلام، وقيل: {من} بمعنى الذي و: {يتقي} فعل مرفوع، و: {يصبر} عطف على المعنى لأن: {من} وإن كانت بمعنى الذي ففيها معنى الشرط، ونحوه قوله تعالى: {فأصدق وأكن} [المنافقون: 10] وقيل: أراد: {يصبر} بالرفع لكنه سكن الراء تخفيفًا، كما قرأ أبو عمرو: {ويأمركم} [البقرة: 67] بإسكان الراء.
وقوله تعالى: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا} الآية، هذا منهم استنزال ليوسف وإقرار بالذنب في ضمنه استغفار منه.
و{آثرك} لفظ يعم جميع التفضيل وأنواع العطايا، والأصل فيها همزتان وخففت الثانية، ولا يجوز تحقيقها، والمصدر إيثار، و: {خاطئين} من خطئ يخطأ، وهو المتعمد للخطأ، والمخطئ من أخطأ، وهو الذي قصد الصواب فلم يوفق إليه، ومن ذلك قول الشاعر- وهو أمية بن الأسكر- الوافر:
وإن مهاجرين تكتفاه ** غداة إذ لقد خطئا وخابا

وقوله: {لا تثريب عليكم} عفو جميل، وقال عكرمة: أوحى الله إلى يوسف: بعفوك على إخوتك رفعت لك ذكرك؛ وفي الحديث: أن أبا سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية لما وردا مهاجرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عنهما لقبح فعلهما معه قبل، فشق ذلك عليهما وأتيا أبا بكر فكلفاه الشفاعة، فأبى، وأتيا عمر فكذلك، فذهب أبو سفيان بن الحارث إلى ابن عمه علي، وذهب عبد الله إلى أخته أم سلمة، فقال علي رضي الله عنه: الرأي أن تلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحفل فتصيحان به: {تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} فإنه لا يرضى أن يكون دون أحد من الأنبياء فلابد لذلك أن يقول: لا تثريب عليكما، ففعلا ذلك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تثريب عليكم} الآية.
والتثريب: اللوم والعقوبة وما جرى معهما من سوء معتقد ونحوه، وقد عبر بعض الناس عن التثريب بالتعيير، ومنه قول النبي عليه السلام: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب»، أي لا يعير، أخرجه الشيخان في الحدود.
ووقف بعض القرأة: {عليكم} وابتدأ: {اليوم يغفر الله لكم} ووقف أكثرهم: {اليوم} وابتدأ: {يغفر الله لكم} على جهة الدعاء- وهو تأويل ابن إسحاق والطبري، وهو الصحيح- و: {اليوم} ظرف، فعلى هذا فالعامل فيه ما يتعلق به: {عليكم} تقديره: لا تثريب ثابت أو مستقر عليكم اليوم. وهذا الوقف أرجح في المعنى، لأن الآخر فيه حكم على مغفرة الله، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يا أيها العزيز} أي الممتنع.
{مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} هذه المرة الثالثة من عودهم إلى مصر؛ وفي الكلام حذف، أي فخرجوا إلى مصر، فلما دخلوا على يوسف قالوا: {مَسَّنَا} أي أصابنا: {وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي الجوع والحاجة؛ وفي هذا دليل على جواز الشكوى عند الضُّر، أي الجوع؛ بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضّر من الفقر وغيره أن يبدي حالته إلى من يرجو منه النفع؛ كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه؛ ولا يكون ذلك قدحًا في التوكل، وهذا ما لم يكن التشكِّي على سبيل التّسخط؛ والصبر والتّجلد في النّوائب أحسن، والتّعفف عن المسألة أفضل؛ وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى؛ وذلك قول يعقوب: {إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنيِ إلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي من جميل صنعه، وغريب لطفه، وعائدته على عباده؛ فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السّفه، إلا أن يكون على وجه البثّ والتّسلّي؛ كما قال ابن دُرَيْد:
لاَ تَحْسَبَنْ يا دهرُ أنّي ضارِعٌ ** لِنَكْبةٍ تَعْرِقُنيِ عَرْقَ الْمُدَى

مَارَسْت مَنْ لَوْ هوتِ الأفلاكُ مِنْ ** جَوَانِبِ الجوِّ عليه ما شَكَا

لكنّها نَفْثَةُ مَصْدورٍ إذا ** جَاشَ لُغَامٌ مِن نَوَاحِيَها غَمَا

قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ} البضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء؛ تقول: أبضعت الشيء واستبضعته أي جعلته بضاعة؛ وفي المثل: كمستبضع التمر إلى هَجَر.
قوله تعالى: {مُّزْجَاةٍ} صفة لبضاعة؛ والإزجاء السَّوْق بدفع؛ ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَابًا} [النور: 43] والمعنى أنها بضاعة تدفع؛ ولا يقبلها كل أحد.
قال ثعلب: البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة.
اختلف في تعيينها هنا؛ فقيل: كانت قدِيدًا وحيسًا؛ ذكره الواقديّ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقيل: خَلَقُ الغَرَائر والحبِال؛ روي عن ابن عباس.
وقيل: متاع الأعراب صوف وسمن؛ قاله عبد الله بن الحارث.
وقيل: الحبة الخضراء والصَّنَوبر وهو البُطْم، حبّ شجرٍ بالشام، يؤكل ويعصر الزيت منه لعمل الصابون، قاله أبو صالح؛ فباعوها بدراهم لا تَنفُق في الطعام، وتَنْفق فيما بين الناس؛ فقالوا: خذها منا بحساب جيادٍ تَنفُق في الطعام.
وقيل: دراهم رديئة؛ قاله ابن عباس أيضًا.
وقيل: ليس عليها صورة يوسف، وكانت دراهم مصر عليها صورة يوسف.
وقال الضحاك: النعال والأدم؛ وعنه: كانت سوِيقا منخلًا.
والله أعلم.
قوله تعالى: {فَأَوْفِ لَنَا الكيل وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}.
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَأَوْفِ لَنَا الكيل وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد لا تنقصنا بمكان دراهمنا؛ هذا قول أكثر المفسرين.
وقال ابن جريج: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} يريدون الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم.
{وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} أي تفضل علينا بما بين سعر الجياد والرديئة.
قاله سعيد بن جُبير والسدي والحسن: لأن الصدقة تحرم على الأنبياء.
وقيل المعنى: {تَصَدَّقْ عَلَيْنَا} بالزيادة على حقّنا؛ قاله سفيان بن عُيَيْنة.
قال مجاهد: ولم تحرم الصدقة إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن جُريج: المعنى: {تَصَدَّقْ عَلَيْنَا} بردّ أخينا إلينا.
وقال ابن شجرة: {تَصَدَّقْ عَلَيْنَا} تَجوَّز عنا؛ واستشهد بقول الشاعر:
تَصدّقْ علينا يا ابن عَفَّان واحتسب ** وأَمِّرْ علينا الأشعريّ لَيَالِيَا

{إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} يعني في الآخرة؛ يقال: هذا من مَعَاريض الكلام؛ لأنه لم يكن عندهم أنه على دينهم، فلذلك لم يقولوا: إن الله يجزيك بصدقتك، فقالوا لفظًا يوهمه أنهم أرادوه، وهم يصح لهم إخراجه بالتأويل؛ قاله النقاش وفي الحديث: «إن في المَعَاريض لمندوحةً عن الكذب».
الثانية: استدل مالك وغيره من العلماء على أن أجرة الكيال على البائع؛ قال ابن القاسم وابن نافع قال مالك: قالوا ليوسف: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} فكان يوسف هو الذي يكيل، وكذلك الوزَّان والعدّاد وغيرهم، لأن الرجل إذا باع عِدّة معلومة من طعامه، وأوجب العقد عليه، وجب عليه أن يبرزها ويميّز حق المشتري من حقه، إلا أن يبيع منه مُعيَّنًا صُبْرة أو مالا حقّ توفية فيه فخلّى (ما) بينه وبينه، فما جرى على المبيع فهو على المبتاع؛ وليس كذلك ما فيه حق توفية من كيل أو وزن، ألا ترى أنه لا يستحق البائع الثمن إلا بعد التوفية، وإن تلف فهو منه قبل التوفية.
الثالثة: وأما أجرة النقد فعلى البائع أيضًا؛ لأن المبتاع الدافع لدراهمه يقول: إنها طَيِّبة، فأنت الذي تدّعي الرداءة فانظر لنفسك؛ وأيضًا فإن النفع يقع له فصار الأجر عليه، وكذلك لا يجب على الذي (يجب) عليه القصاص؛ لأنه لا يجب عليه أن يقطع يد نفسه، إلا أن يمكن من ذلك طائعًا؛ ألا ترى أن فرضًا عليه أن يفدي يده، ويصالح عليه إذا طلب المقتص ذلك منه؛ فأجر القطاع على المقتص.
وقال الشافعي في المشهور عنه: إنها على المقتص منه كالبائع.
الرابعة: يكره للرجل أن يقول في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؛ لأن الصدقة إنما تكون ممن يبتغي الثواب، والله تعالى متفضل بالثواب بجميع النعم لا ربّ غيره؛ وسمع الحسن رجلًا يقول: اللهم تصدّق عليّ؛ فقال الحسن: يا هذا! إن الله لا يتصدّق إنما يتصدّق من يبتغي الثواب؛ أما سمعت قول الله تعالى: {إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} قل: اللهم أعطني وتفضّلّ عليّ.
قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ}
استفهام بمعنى التذكير والتوبيخ، وهو الذي قال الله: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} [يوسف: 15] الآية.
{إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} دليل على أنهم كانوا صغارًا في وقت أخذهم ليوسف، غير أنبياء؛ لأنه لا يوصف بالجهل إلا من كانت هذه صفته؛ ويدلّ على أنه حسنت حالهم الآن؛ أي فعلتم ذلك إذ أنتم صغار جهال؛ قال معناه ابن عباس والحسن؛ ويكون قولهم: {وَإنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} على هذا، لأنهم كبروا ولم يخبروا أباهم بما فعلوا حياء وخوفًا منه.
وقيل: جاهلون بما تؤول إليه العاقبة.
والله أعلم.
قوله تعالى: {قالوا أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ} لما دخلوا عليهِ فقالوا: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} فخضعوا له وتواضعوا رق لهم، وعرفهم بنفسه، فقال: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} فتنبهوا فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ} قاله ابن إسحق.
وقيل: إن يوسف تبسّم فشبهوه بيوسف واستفهموا.
قال ابن عباس لما قال لهم: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ} الآية، ثم تبسم يوسف وكان إذا تبسم كأنّ ثناياه اللؤلؤ المنظوم فشبهوه بيوسف، فقالوا له على جهة الاستفهام: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ}.
وعن ابن عباس أيضًا: أن إخوته لم يعرفوه حتى وضع التاج عنه، وكان في قرنه علامة، وكان ليعقوب مثلها شِبْه الشامة، فلما قال لهم: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ} رفع التاج عنه فعرفوه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ}.
وقال ابن عباس: كتب يعقوب إليه يطلب ردّ ابنه، وفي الكتاب: من يعقوب صفيّ الله ابن إسحق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أما بعد فإنّا أهل بيت بلاء ومِحَن، ابتلى الله جدّي إبراهيم بنمروذ وناره، ثم ابتلى أبي إسحق بالذبح، ثم ابتلاني بولد كان لي أحبّ أولادي إليّ حتى كُفَّ بصري من البكاء، وإني لم أسرق ولم ألِدْ سارقًا والسلام.
فلما قرأ يوسف الكتاب ارتعدت مفاصله، واقشعرّ جلده، وأرخى عينيه بالبكاء، وعِيلَ صبره فباح بالسرّ.
وقرأ ابن كثِير: {إنَّكَ} على الخبر، ويجوز أن تكون هذه القراءة استفهامًا كقوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} [الشعراء: 26].
{قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ} أي أنا المظلوم والمراد قتله، ولم يقل أنا هو تعظيمًا للقصة.
{قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا} أي بالنجاة والملك.
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} أي يتق الله ويصبر على المصائب وعن المعاصي.
{فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} أي الصابرين في بلائه، القائمين بطاعته.